ما من الموت مفر… حتى لو في جحر ضب
بسم الله الرحمن الرحيم
ما من الموت مفر… حتى لو في جحر ضب
بقلم: عرفة الحمادي
بالأمس، لم يكن يومًا عاديًا.
كان الرعب يمشي على الأرض… يُسمع، يُرى، ويهز الجدران والقلوب.
أصوات انفجارات تهدر في السماء، وغرف ترتجّف تحت وقع الصواريخ، والبيوت تنفضّ كأنها من ورق.
أناس يصرخون، وأناس يصمتون.
لكن الخوف واحد. والهول واحد.
السماء كانت ترعد، لا من الغيث، بل من الحرب.
ولأول مرة، كأن قطر تذوق غصّة مما تجرعته شعوب أخرى سنين طويلة: غزة، السودان، سوريا، اليمن…
أدركنا أن الأمان الذي كنا نظنه دائمًا، ما هو إلا نعمة مؤقتة، قد تُنتزع في لحظة واحدة دون إنذار.
كنت أرتجف، لا من الموت… بل من إدراك أن لا أحد في مأمن.
صوت الصاروخ لم يكن مجرد صوت، بل ناقوس من السماء:
“استعدّوا… فإن ما هو أعظم قادم.”
لحظة واحدة فقط…
انقطع فيها التفكير بكل شيء دنيوي.
نسيت احتشامي، نسيت راحتي، نسيت كل ما كنت أظنه “ضروريًا”.
كل ما أردته أن أطمئن على من أحب، أن أقول لصديقتي “أنا معكِ”، أن ألبس لباسًا يسترني، أن أرفع يدي لله قبل أن تُقطع عنّي الفرصة.
وأتساءل الآن…
إذا كان هذا صوت الصاروخ، فكيف يكون صوت النفخ في الصور؟
كيف سيكون يوم تهتز فيه السماوات، وتتشقق الأرض، وتُبعثر القبور؟
كيف حال من لا يعرف الله، ولم يُعد العدّة، إذا كان من يعرفه قد رجف قلبه واهتز كيانه؟
يا الله…
ما أعظم الخوف، إذا لم يكن في قلبه يقين.
وما أهون الموت، إذا كان القلب مُستعدًا.
لقد فهمت بالأمس درسًا كُتب بالرجفة لا بالحبر:
“لو الإنسان يختبئ في جحر ضب، ما من الموت مفر.”
هذا قدر لا يُبدّل، وسُنّة لا تتغير.
لكن… هناك فرق.
الفرق هو:
هل نموت غافلين؟ أم نموت ذاكرين؟
هل نهرب من الموت، أم نستعدّ للقاء الله بثقة المؤمنين؟
الخوف نعمة إذا قادك إلى الله،
والأمان نقمة إذا جعلك تغفل عن يوم اللقاء.
اليوم، هدأت الأوضاع…
لكن القلب لا يجب أن يهدأ.
لا نريد أن ننام وننسى، نُطفئ الخوف كما نطفئ نور الغرفة.
بل نُبقيه في أعماقنا كوقود:
وقود للتوبة، للذكر، للعودة، للإصلاح.
الطمأنينة الحقيقية لا تأتي من هدوء الجو، ولا من بعد القصف…
بل من هذه الآية:
“قل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا…” (التوبة: 51)
فيا من قرأت كلماتي، لا تؤجل توبتك، ولا تؤخّر عودتك.
لعلّ ما حدث بالأمس، كان لأجلك، تذكيرًا لا عقوبة، رحمة لا نقمة.
ولعلّ رجفة واحدة في ليلة حرب،
تُحيي قلبًا غافلًا منذ سنين طويلة.
عرفة الحمادي
٢٤ يونيو 2025
توكلوا على الله دائماً. ✨
"بعض الأبواب تبقى مغلقة، بينما يفتح بعضها فقط لأولئك الذين يجرؤون على البحث. إذا لامستك هذه الرحلة، فكر في دعم عالم عرفة. كل مساهمة تبقي الشعلة متقدة، مما يضمن المزيد من الأسرار، والمزيد من الحقائق، والمزيد من القصص التي تنتظر أن تُكشف. ساهم في المسيرة—وجودك هنا يعني كل شيء."
Comments
Post a Comment